(هامش)

هذه الکتب طبعها مکتبة الحقیقة (*)

فالدعوة الوهابیة معروفة بهذه الصفات ومقترنة لها منذ فجر میلادها إلى یومنا هذا والتاریخ خیر شاهد على صحة ما قلناه. ونحن لو نظرنا إلى أحوالنا فیما قبل السبعینات أی قبل انتشار هذه الدعوة فی ربوع بلادنا ثم نظرنا إلى ما هی نحن علیه الآن من التباغض والتخالف والتقاطع من جراء هذه الدعوة، لوجدنا العلماء صادقین فی هذه التسمیة. ویخشى لو استمر هذا الوضع - لا قدر الله - أن تندلع حروب أهلیة ومشاجرات دینیة لا سبیل إلى التخلص منها. وأقول فإن الدعوة الوهابیة مهما بلغت من خطورة فی عهد زعمائها الأولین فإنها الیوم - والحق أقول - قد تطورت وبلغت منتهى الخطورة فی عهد أتباعهم المعاصرین. وخاصة أولئک الذین نعیش معهم فی الزمان والمکان نسمع ونرى ما یقولون وما یفعلون. وإنا لواثقون من أنه لو قدر للشیخ ابن عبد الوهاب أن یعود إلى الدنیا ویشاهد هذه الکیفیة التی علیها بعض أتباعه الیوم، لتبرأ منهم کما یتبرأ المصلح من المفسد. ذلک لأنهم اتخذوا هذه الدعوة کسلاح لمحاربة المسلمین ووسیلة إلى قطع الأرحام والتفریق بین الأمة هذا ولم تزل الدعوة الوهابیة مقترنة بخصوماتها ونزاعاتها تقتفز من أرض لأخرى حتى وصلت إلى جمهوریتنا مالی فتسابق إلیها التجار والرعاة الذین رفعوها فوق مستواها وغروا بها الشبان والصبیان وبذلوا بکل ما لدیهم من حول وقوة وظهروا على القضاء بما کان علیه السلف الصالح وعلى إنکار أولیاء الله تعالى والسادة الصوفیة، ورموهم بما لا یلیق للأراذل فضلا عن الفحول الکمل افتراء على الله وأساءوا بهم الأدب ونصبوا مشایخ التربیة أصناما وتلامذتهم عبادا وذکروا فیهم ما أنزه قلمی عن کتابته وکفى بذلک ظلما وزورا، ولم یعلموا أن لحوم أهل الله مسمومة وأکل السم سریع العطب وجاء فی الحدیث القدسی: (من عادى لی أو آذى لی ولیا فقد آذنته بالحرب) رواه البخاری وفی الحدیث النبوی: (إن الله شرف الکعبة وعظمها ولو أن عبدا هدمها حجرا حجرا ثم أحرقها ما بلغ جرم من استخف بولی من أولیاء الله تعالى) وعن السؤال متى دخلت الحرکة الوهابیة إلى جمهوریة مالی ؟ ومن أدخلها؟ وکیف انتشرت فی مدنها وقراها؟

فالجواب: إننا لا نعرف بالضبط تاریخ دخولها إلى مالی ولا أول من أدخلها ولکننا نعرف بالحقیقة أنها انتشرت هنا بواسطة بعض التجار والرعاة وبواسطة بعض الطلبة المتوسطین ممن لا خبرة لهم بالفقه الإسلامی وإنما بذهاب هؤلاء إلى مکة المکرمة إما لأداء فریضة الحج أو للتعلم فی المدارس هناک وبعد عودتهم إلى أرض الوطن یؤکدون لأهلهم وذویهم ولکل من یتصل بهم بأنهم قد وجدوا فی مکة المکرمة ما یخالف دینهم الذی کانوا علیه أولا، ویلزمونهم بالتأکید على اتباع هذا الدین وترک ما سواه ونبذه وراء ظهورهم. ویزعمون بذلک أنهم خرجوا من الکفر ودخلوا فی الإسلام من جدید فیستحقون بأن یسموا أنفسهم سنیین ومن لم یوافقهم على ذلک فهو عندهم من المشرکین. ومن هنا یشرعون فی الإنکار والتغییر ویوجهون اللوم مباشرة إلى الآباء والأجداد وإلى رجال الدین وعلماء الأمة ویحملونهم المسؤولیة ویبالغون فی قدحهم والاعتراض علیهم وربما یصفونهم بالمشرکین أو بدعیین!! وبما أن الناس مولعون - عادة - بالشیء الجدید فإن هذه الحرکة قد حظیت إقبالا واسعا لدى الأوساط العامة. ذلک لکونهم یرون أن ما یقال عن مکة المکرمة أو بالأخرى ما یشاهد فیها قد یکون هو الدین القیم وما عداه هو الضلال البعید. وفوق ذلک کله فلیس من المفروض شرعا أن یقتدی جمیع المسلمین بأهل مکة بحیث تکون مخالفتهم فی بعض المسائل الفقهیة خروجا عن الدین الإسلامی. فالمسلم حر فی اقتداء أی مذهب من المذاهب الأربعة شاء، وهو حر فی أخذ أیة طریقة من الطرق الصوفیة أراد، فلا ذنب علیه فی ذلک ولا عیب

الحرکة الوهابیة وتأثیرها فی المجتمع

إن تأثیر الحرکة الوهابیة فی مجتمعنا الوطنی لأمر یبعث إلى القلق ویهدد مستقبل المواطنین وذلک لمنعها إیاهم التمتع بحسن الجوار واحترام بعضهم بعضا. وقد ظهر للعیان توتر العلاقات الأخویة وقطع الوفاق بین ذوی القربى وأولی الأرحام کما شوهد تغیر الأحوال الاجتماعیة من حسنة إلى سیئة ومن سیئة إلى أسوأ نتیجة لانفجار الثورة الوهابیة فی الآونة الأخیرة، ولیس من السهل التغلب على هذه الظروف الحرجة التی نعانیها فی الوقت الحاضر، والتی أخذ یفر فیها المرء الوهابی من أخیه الغیر الوهابی بل ومن أبیه وأمه وکل أصحابه یفر منهم فی حین لا ذنب لهم سوى إنهم انخرطوا فی سلک السادة الصوفیة أو رفضوا التعصب للدعوة الوهابیة. فالقادة الوهابیة فی هذا البلد ما زالوا مصممین على أن من لم یکن وهابیا فهو مشرک یجب هجرانه ولا یجوز التعامل معه فیما یخص الدین أو الدنیا. وعلى هذا یمکن القول بأن الدعوة الوهابیة - إذا کانت هذه شأنها - فهی متمسکة بأفکار خاطئة ومزاعم باطلة لا تتفق والحقیقة الواقعة. فلو نظرت بشیء من التأمل إلى قادة هذه الطائفة ثم قارنت بین أقوالهم وأفعالهم علمت یقینا بأن لهم أهدافا وغایات تدفعهم إلى التوسع فی قدح أعراض المسلمین وهتک حرماتهم والاعتداء علیهم بالظلم والعدوان. فمن أهدافهم: التفریق بین الأمة الإسلامیة لینتهزوا فرصة تضلیل العوام واستغلالهم باسم الدین وراء مصالحهم الشخصیة. أما الغایة التی یسعون إلى تحقیقها هی إثبات السنیة لهم خاصة، وتکفیر جماعة المسلمین من غیرهم. وهذا إن دل على شیء فإنما یدل على سوء الظن بالمسلمین أو عدم معرفة الإسلام بالوجه الذی حدده الرسول علیه السلام ومعلوم أنه (صلى الله علیه وآله وسلم) کان قد سئل عن الإسلام فأجاب: (هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقیم الصلاة وتؤتی

الزکاة وتصوم رمضان وتحج البیت إن استطعت إلیه سبیلا) أخرجه الترمذی ومن هنا نتحقق خطأ أولئک الذین یکفرون المسلمین عمدا أو جهلا بعد ما بین الرسول علیه السلام ما یجعل المرء مسلما وبعد ما نهى عن تکفیر المسلم. والأدلة الواردة للرد على مزاعمهم أکثر من أن تعد أو تحصى. فقد منع الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) تکفیر المسلم فی عدة أحادیث منها: قوله علیه السلام: (إذا قال المرء لأخیه یا کافر فقد باء به أحدهما) رواه مالک والبخاری والترمذی وقوله: (لا یکفر أحد من أهل القبلتین) وقوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى یشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن فعلوا ذلک عصموا منی دماءهم وأموالهم إلا فی حق الإسلام. وحسابهم على الله) رواه البخاری ومسلم وقوله علیه السلام: (الصلاة عماد الدین من أقامها فقد أقام الدین ومن ترکها فقد هدم الدین) رواه البیهقی وقوله: (من کفر مسلما فقد کفر) إلى غیره من الأحادیث المتواترة فکل واحدة من هذه الأحادیث تقتضی بأن لا یکفر المرء مسلما مهما اغترف من ذنب ونحب نتعجب کیف بتجاهل الوهابیون کل هذه الحقائق النبویة؟ وکیف یسعهم مخالفة الرسول فی التمییز بین المسلم والکافر؟ وقد قال تعالى: (ومن یشاقق الرسول من بعد ما تبین له الهدى ویتبع غیر سبیل المؤمنین نوله، ما تولى ونصله جهنم وساءت مصیرا * النساء 115) هذا لقد علمنا بمقتضى الأحادیث الآنفة الذکر بأنه لا یجوز تکفیر المسلم الذی یؤمن بالله ورسوله ویؤدی قواعد الإسلام الخمس على الوجه المشروع. فإذا کان العلماء قد أجمعوا على أن الکافر إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله مرة واحدة قد دخل فی الإسلام، له ما للمسلمین من حقوق وواجبات. فکیف بمن ولد فی الإسلام ونشأ فیه ورضی به دینا وهو یکرر هذه الکلمة فی الیوم أکثر من مائة مرة؟ فکیف یجوز تکفیره؟ مع العلم بأن الناطق بالشهادتین - فی حکم الشریعة الإسلامیة - یعتبر مسلما بغض النظر عن خفایا قلبه فبعلم ذلک یحض الله وحده وجاء فی أسهل المسالک قوله: (ورحمة الله تعالى عمت... کل امرأ إیمانه کالدرة) وقال شراح هذا البیت: یجب الإیمان بأن رحمة الله تعالى تعم کل أحد مات من

الإنس والجن ولم یکن له عمل صالح سوى الإیمان بالله فقط... ثم نتسأل إذا لم تکن القواعد الإسلامیة الخمس تمییزا للمسلم إذن فأین یوجد المسلم؟ وما الذی یجعل المرء مسلما؟ وما هی علاماته وممیزاته؟ فعلى القادة الوهابیة أن یفهموا بأنهم مخطئون فی هذه الناحیة وعلیهم أن یتراجعوا عن هذه المعتقدات الفاسدة، وأن یفهموا بأن الإسلام لیس ملکا لإیمانهم فیدخلون فیه من یریدون، أو یخرجون منه من یشاؤن. فلیتحققوا بأن الإسلام إنما یسیر دائما على نهجه الواضح المستقیم وعلى حسب البرنامج الذی وضعه الشارع الأمین (صلى الله علیه وآله وسلم) الذی هو لا ینطق عن الهوى. ولا یخفى على أحد منا موقف الوهابیین المتصلب المعارض لجمهور العلماء والمتمثل فی الشعارات المضللة والدعایات الکاذبة. هبهم خاطئین حین زعموا أن الناس جمیعا قبل هذه الدعوة کانوا على ضلال ومعصیة. وأنها هی الدعوة الوحیدة التی تعنى بإحیاء السنة النبویة والمحافظة على التوحید. عفا الله عنهم من هذه المزاعم اللاحقیقیة التی لا حجة لهم بها ولا أساس لصحتها. فنحن نستغرب جدا کیف تصور لهم أوهامهم هذه المزاعم العقیمة؟ فمن أین لهم تضلیل الأمة الإسلامیة جمیعها أو تکفیرها ما لم تعتقد العقیدة الوهابیة؟ فکیف حال الأمة فی نظرهم قبل میلاد الزعیم الوهابی وقبل انتشار دعوته الحدیثة؟ فهل الشیخ ابن عبد الوهاب هذا إلا کواحد من أفراد البشر یصیب ویخطئ؟ أم هو فی عداد المعصومین من الأنبیاء والمرسلین؟ وهل من العدالة أن نصدقه هو بمفرده ونتبعه ثم نکذب غیره من أکابر العلماء وجهابذة الفقهاء؟ فهذا أمر لا یمکن - فی اعتقادی - أن یقبله عقل مفکر مهما کان صاحبه غارقا فی بحر التعصب، وکیف ما کان مغرورا... وعلى ضوء هذه الحقائق فإن أقرب دلیل للرد علیهم وعلى إحباط مزاعمهم قوله علیه الصلاة والسلام: (لا تجتمع أمتی على ضلالة) أخرجه الترمذی عن ابن عمر وقوله: (لا تزال طائفة من أمتی ظاهرین على الحق لا یضرهم من خالفهم) رواه الحاکم. ومن أعظم خطأهم بعد تکفیر المسلمین إنکارهم على أولیاء الله وکراماتهم مع

أنهم یصدقون بالاختراعات العصریة کالإذاعات والتلفزات والصواریخ والهواتف السلکیة واللاسلکیة وغیرها من الآلات الکهربائیة التی تحیر العقول، والتی لم یکن الإنسان الأول یحلم بها ولا یکاد یصدق بإمکان وجودها فهلا یؤمنوا بأن الذی أعطى للعقل البشری المهارة على اختراع هذه الأشیاء العجیبة، قادر على أن یعطی لأولیائه من الکرامات وخوارق العادات ما لا یدرکه الفهم ولا یصل إلیه القیاس. وهو سبحانه وتعالى (فعال لما یرید * البروج: 16) و(ولا یسئل عما یفعل * الأنبیاء: 23) وعلى الرغم من ثبوت هذه الأدلة فهناک جماعة غیر قلیلة من الوهابیین ینکرون على أولیاء الله وکراماتهم ویرفضون حصول الکرامات والخوارق لهم، زعما بأن مثل هذه، إنما یحصل للأنبیاء خاصة دون غیرهم من أفراد البشر، وینزلون هذه الکرامات والخوارق، منزلة السحر أو الکهانة. ولهم فی ذلک أقوال أعتذر عن حکایتها مراعاة للأدب ولعدم مناسبتها لحضرة أولیاء الله تعالى اللهم إلا أن أقول سامحنا الله وإیاهم، وأقال عثراتنا. وعثراتهم ولا یدری هؤلاء المقصرون بأن ما جاز للنبی معجزة یجوز للولی کرامة وأن کرامات الأولیاء وخوارقهم ثابتة فی الکتاب والسنة. وقد ورد ذکرها فی القرآن الکریم فی عدة مواضع. منها قوله عز وجل فی الإخبار عن السیدة مریم رضی الله عنها: (کلما دخل علیها زکریا المحراب وجد عندها رزقا * آل عمران: 37) وکان یجد عندها فاکهة الصیف فی الشتاء وفاکهة الشتاء فی الصیف. وقوله لها: (وهزی إلیک بجذع النخلة تساقط علیک رطبا جنیا * مریم: 25) وکما ذکر القرآن قصة المرسلین الذین أرسلهم نبی الله عیسى علیه السلام إلى أهل أنطاکیة لیدعوهم إلى عبادة الله فصاروا یبرؤن الأکمه والأبرص ویحیون الموتى بإذن الله وذلک کرامة لهم ومعجزة لنبیهم عیسى بن مریم علیه السلام [1] وقد بین کتاب الله العزیز کثیرا من الکرامات والخوارق التی وهبها الله لبعض أولیائه وخصائصهم العلمیة والعملیة. ومنها أن نبی الله موسى کان تلمیذا للسید خضر علیهما السلام وکان قد استصحبه مدة من الزمن لیستفید منه بعض العلوم. (قال له موسى هل أتبعک على أن تعلمن مما علمت رشدا * الکهف: 66) وأن آصف بن برخیا أحضر لنبی الله سلیمان

(هامش)

(1) وذلک عند قوله تعالى (واضرب لهم مثلا أصحاب القریة إذ جاءها المرسلون * یس: 13) (*)

علیه السلام عرش بلقیس فی أقل من طرفة العین وقد کان الهدهد یدله على الماء. فکل هذه کرامات وخوارق أثبتها الکتاب الکریم بحیث لا یمکن إنکارها ولکن مع هذا کله فلا یقتضی ثبوت هذه الکرامات أفضلیة الأولیاء على الأنبیاء - کما یتوهمه بعض الجهال - بل هی منة من الله بها علیهم بصورة المزیة ولا یستغرب ذلک فقد یوجد فی النهر ما لیس فی البحر وقد اقتضت حکمة الله تعالى أن یکون للمفضول ما لیس للفاضل. ومعلوم أن نهایة مراتب الأولیاء هی بدایة مراتب الأنبیاء فلا مطمع للولی أن یصل إلى غبار النبی فضلا عن أن یماثله أو یفضل منه. ولکن فمن الواجب علینا أن نحترم أولیاء الله تعالى ونصدق کراماتهم ونعلم بأن الذی أید الأنبیاء بالمعجزات هو الذی أید الأولیاء بالکرامات فالکرامات فروع من معجزات الأنبیاء فکل کرامة نالها ولی إنما هی من معجزات نبیه وکذلک کرامة أولیاء هذه الأمة فهی من معجزات سیدنا محمد (صلى الله علیه وآله وسلم). ولذلک کان إنکار الکرامات إنکارا للمعجزات وإنکار المعجزات تکذیب للرسل وهو من الکفر الصریح والعیاذ بالله. فلا ینبغی للمسلم - والحال هذه - أن ینکر على کرامات الأولیاء مهما بلغت لأن الفضل بید الله یؤتیه من یشاء لا اعتراض ولا شک أن الجهل خیر من علم یؤدی إلى إنکار أولیاء الله وکراماتهم. فکل ما نحذر إخواننا المسلمین عامة، والوهابیین خاصة، أن یکفوا عن أذیة أهل الله وأکل لحومهم. وأن لا یبادروا إلى معارضتهم فی أیة مسألة من المسائل الفقهیة لکونهم أجدر من أن یکونوا على حجة وبصیرة مما هم فیه ولو أنه مخالف للظاهر وقد قیل: (فسلم لأهل الله فی کل مشکل.. لدیک لدیهم واضح بالأدلة) هذا ولا یجوز لأحد مهما کان عالما أن ینکر الشیء على أساس عدم وجود ذلک فی علمه، لأن جوامع العلوم لم تتوفر لأحد سوى الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم). وإنما الواجب علیه قبل الشروع فی الانکار أن یعرضه على طرق الشریعة کلها والتی أشار إلیها الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) بقوله: (إن شریعتی جاءت على ثلاثمائة وستین طریقة ما سلک أحد منها طریقة إلا نجا.)

فإن لم یعرضه على هذه الطرق أولم تکن له معرفة بها أصلا، ففی إنکاره خطر عظیم. وقال العارف بالله: [1] من لم یحط بجملة الشریعة وقال آخر: وقل لمن یدعى علما ومعرفة * إنکاره لمهلک ذریعة حفظت شیئا وغابت عنک أشیاء ویستفاد من الحدیث المذکور أنه لا یجوز اتهام المسلم العارف ولا إنکاره ما لم یخالف طرق الشریعة کلها، کما فعل ذلک عبد الرحمان الإفریقی، الذی سولت له نفسه الإمارة بالسوء أن یؤلف کتابا فی النقد على الطریقة التجانیة والهجوم على شیخنا ووسیلتنا إلى ربنا أبی العباس أحمد بن محمد التجانی [2] وعلى خلیفته المجاهد فی الله الشیخ الحاج عمر الفوتی رضی الله عنهما وقد سمى کتیبه هذا: ب‍ الأنوار الرحمانیة لهدایة الفرقة التجانیة وهو مطبوع یوزع مجانا إلى کل من یریده من المعارضین والمنتقدین لذلک یسعى الوهابیون للحصول علیه لیزدادوا بغضا وحقدا للسادة الصوفیة بصورة عامة وللتجانیین بصورة خاصة... وأنا شخصیا لن أهاجم على عبد الرحمان الإفریقی ولا أنتقم منه لعلمی بأنه إنما یحارب الله ورسوله بمعاداته لأولیاء لله وأصفیائه. بدلیل قوله تعالى فی الحدیث القدسی: (من عادى لی ولیا فقد آذنته بالحرب) رواه البخاری. وخصوصا هذا الولی الربانی والعارف الصمدانی الشریف الحسنی أحمد بن محمد التجانی رضی الله عنه وأرضاه الذی هو یعتبر واحدا من أبرز علماء الإسلام وعلما من أعلام الشریعة والحقیقة. فشرفه الدینی والنسبی، وتاریخه الحافل بالنشاطات الدینیة والتوجیهات الربانیة بالإضافة إلى مرتبتیه الموهوبة والمکسوبة یغنینا عن الدفاع عنه والاحتجاج له فمناقبه رضی الله عنه ومواقفه واضحة ولا تحتاج الشمس إلى دلیل. أما إنکار عبد الرحمان الإفریقی على الطریقة التجانیة ومبالغته فی النقد علیها وعلى خاصة أصحاب الشیخ رضی الله عنهم فهو کما قیل: وإذا أتتک مذمتی من ناقص * فهی الشهادة لی بأنی کامل أو کقول الإمام البوصیری رضی الله عنه. قد تنکر العین ضوء الشمس من رمد * وینکر الفم طعم الماء من سقم هذا وتتوفر لدى الشیخ أحمد التجانی رضی الله عنه شواهد الکمالات الحسیة و...

(هامش)

(1) وهو السید الحاج مالک سه رضی الله عنه فی کتابه فاکهة الطلاب... (2) المتوفى. 1230 ه‍. (*)