لأن الوهابیة عندهم بمثابة سنة نبویة یجب الاقتداء بها بالقلب والقالب وکأن الوحی الإلهی إنما أنزل على محمد بن عبد الوهاب (المتوفى سنة 1206 هـ‍) لا على محمد بن عبد الله (صلى الله علیه وآله وسلم). [1] وأقول بأن هذه المزاعم وأمثالها لیس مصدرها إلا الجهل الذی هو الداء العضال فی کل زمان ومکان، والذی لا یقتل أعضاء الجسم وحدها إنما یقتل معها أعضاء الأمة جمعاء. ولا شک أن هذه الخلافات التی منی بها مجتمعنا القومی فی عصرنا الحالی، جاءت نتیجة لسببین ظاهرین: أولهما: هو الجهل المرکب الذی لا یمیز صاحبه بین الخبیث والطیب ولا بین المندوب والمکروه ثم لا یعترف بجهله فیسکت. والثانی: هو عدم فهم بعض المسائل الدینیة فهما حقیقیا، مما أتاح لهم فرصة لیحرفوا بعض الآیات والأحادیث عن مواضعها فیترتب علیه إجرام البریء تارة وإبراء المجرم تارة أخرى. ولأجل هذین السببین عمت البلوى بانتشار الخلافات الدینیة مما أدى إلى قطع الأرحام وهجران المساجد واختلاف المفاهیم والآراء، وأخیرا اختلط الدین بالطین وانتهى الأمر إلى الفوضى. وقدیما سئل حکیم عن کثرة الخلافات فأجاب: (لو سکت الجاهل لارتفع الخلاف)

(هامش)

(1) أما أولئک الوهابیون المعتدلون الذین لا یعتقدون ذلک ولا یزعمون تلک المزاعم فلم یتوجه إلیهم کلامنا ا ه‍. (*)

ما أحوجنا الیوم إلى السعی وراء التفقه فی الدین والاهتمام به، کواجب مقدس. وما أجدر بنا للتمسک بالکتاب والسنة والتقید بأحکامهما قولا وفعلا. وما أسعدنا لو وقفنا صفا متحدا وقلبا واحدا ضد هذه الخلافات الهدامة والتقسیمات الطائفیة التی شأنها خلق التباغض والتقاطع بین أفراد المسلمین وجماعاتهم وحبذا لو استحضرنا بأذهاننا عهد الخلفاء الراشدین وسلکنا بتصرفاتنا الدینیة والدنیویة نهج المسلمین الأولین من المهاجرین والأنصار الذین وصفهم الله تعالى بقوله: (أشداء على الکفار رحماء بینهم * فتح: 29) وبقوله: (أذلة على المؤمنین أعزة على الکافرین یجاهدون فی سبیل الله * المائدة: 54) وقد کانوا - رحمهم الله - مضرب المثل فی التسامح والتناصح وحسن الجواز وجدیر بنا - نحن الخلف - أن نحذو حذو سلفنا الأخیار ونمثل فی کیاننا أمة مسلمة متماسکة بمعنى الکلمة هدفها: الاعتصام بحبل الله وغایتها: القضاء على أسباب التخالف والتباغض بین أفراد المسلمین وجماعاتهم.کما کان الأمر فی عهد رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وفی عهد خلفائه الراشدین رضی الله عنهم. وهنا نطرح السؤال التالی: ما هی العلوم التی یجب أن نتعلمها لنفهم القرآن الکریم والشریعة الإسلامیة؟ أهی العلوم التی فی الکتب العصریة والتی یؤلفها بعض المتقولین ممن لا یعتد بأقوالهم ولا یحتج بآرائهم وإنما یحبون فقط أن تشیع الخلافات بین الأمة؟ أم العلوم التی فی الکتب الأصلیة المستنبطة من الکتاب والسنة ومن أقوال أئمة المذاهب ورجال الدین؟ والجواب على السؤال واضح. ولکی نفهم القرآن الکریم والشریعة الإسلامیة فهما حقیقیا لا بد وقبل کل شیء من معرفة نصوص القرآن الکریم وأصول الحدیث، والفقه، واللغة، والنحو، وغیرها... فهذه کلها علوم ضروریة لا یستغنى عنها فی فهم الشریعة. ویجب تعلمها والاعتناء بها بأکبر قدر ممکن. لأن ما لا یتم الواجب إلا به فهو واجب. ولکن فمن المؤسف جدا أن بعض إخواننا الوهابیین لا یعرفون من هذه العلوم شیئا ومع ذلک فهم یدعون المعرفة والتدین....